إدارة الشئون الفنية
الدروس المستفادة من جائحة كورونا

الدروس المستفادة من جائحة كورونا

22 أكتوبر 2021

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ   16 من ربيع الأول 1443هـ - الموافق   22/10/2021م

الدُّرُوسُ المُسْتَفَادَةُ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا

الحَمْدُ لِلَّهِ دَافِعِ البَلَاءِ وَرَافِعِ الوَبَاءِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا الَّلهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مَا أَنْزَلَ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ الدَّوَاءَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ؛ القَائِلُ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ: بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ»، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مَا دَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ، ﱡﭐ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: ٢٨].

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:

إِنَّنَا لَنَحْمَدُ رَبَّنَا جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ عَلَى مَا دَفَعَ عَنَّا مِنَ الوَبَاءِ وَالنِّقَمِ، وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَ الآلَاءِ وَالنِّعَمِ، وَقَدْ أَوْشَكَتِ الحَيَاةُ أَنْ تَعُودَ إِلَى طَبِيعَتِهَا، بَعْدَ أَنْ عَانَتِ البَشَرِيَّةُ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا وَشِدَّتِهَا، وَلَقَدْ كَانَ لَنَا فِي تِلْكَ الجَائِحَةِ دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ، وَعِبَرٌ وَمَوَاعِظُ لِلْمُتَّعِظِينَ جِدُّ كَبِيرَةٍ، فَإِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ مِنَ البَلَايَا، وَيَخْتَبِرُهُمْ بِمَا أَرَادَ مِنَ الرَّزَايَا، لَعَلَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ يَرْجِعُونَ، وَمِنْ ذُنُوبِهِمْ وَآثَامِهِمْ يَتُوبُونَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﱡﭐوَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: 168]. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﱡﭐ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [الأحزاب:17].

وَتِلْكَ الِابْتِلَاءَاتُ قَدْ تَكُونُ عَذَابًا عَلَى الجَاحِدِينَ، وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَتَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ الصَّابِرِ المُحْتَسِبِ تَكْفِيرًا لِسَيِّئَاتِهِ، أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

 وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ كَانَ لِجَائِحَةِ كُورُونَا وَقْعٌ عَظِيمٌ، وَوَطْأَةٌ شَدِيدَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْهَا دُوَلٌ وَحُكُومَاتٌ،  وَلَا شُعُوبٌ وَأَفْرَادٌ وَجَمَاعَاتٌ، فَالعَالَمُ كُلُّهُ قَدْ تَأَثَّرَ بَأَضْرَارِهَا وَاصْطَلَى بِنَارِهَا وَتَضَرَّرَ بَآثَارِهَا، فَكَانَ مِنْهَا  الدُّرُوسُ وَالعِبَرُ، وَالآثَارُ الظَّاهِرَةُ لِكُلِّ مَنِ اعْتَبَرَ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ: ظُهُورَ ضَعْفِ الإِنْسَانِ أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَالإِنْسَانُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالعَجْزِ وَالفَقْرِ؛ﱡﭐ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًاﱠ [النساء:24]،  وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ﱡﭐ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]. وَقَدْ ظَهَرَ لِبَنِي الإِنْسَانِ عِيَانًا أَنَّ القُوَّةَ المَادِّيَّةَ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي، وَأَنَّ الرُّكُونَ إِلَيْهَا مُنْفَرِدَةً نَقْصٌ فِي الإِنْسَانِ وَعَجْزٌ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ المَلْجَأُ عِنْدَ حُلُولِ الكَوَارِثِ وَنُزُولِ البَلِيَّاتِ، وَالرُّكْنُ الرَّكِينُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ فِي الشَّدَائِدِ وَالمُلِمَّاتِ، ﱡﭐ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات: 50].

وَمِنْهَا: أَنَّ الأُمُورَ كُلَّهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضَرٍّ وَغِنًى وَفَقْرٍ، وَصِحَّةٍ وَسَقَمٍ وَنِعَمٍ وَنِقَمٍ؛ إِنَّمَا هِيَ بِيَدِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ جَلَّ جَلَالُهُ، ﱡﭐ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]. وَقَدْ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ ابْتِلَاءَ الإِنْسَانِ بِالسَّرَّاءِ إِكْرَامًا لَهُ لَا امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا، وَيَرَى الِابْتِلَاءَ بِالضَّرَّاءِ انْتِقَامًا وَإِضْرَارًا؛ يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﱡفَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ  [الفجر: 15-16]. وَالحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْتَلِي العِبَادَ تَارَةً بَالمَسَارِّ لِيَشْكُرُوا، وَيَخْتَبِرُهُمْ بَالمَضَارِّ تَارَةً لِيَصْبِرُوا، وَقَدْ تَكُونُ المِنْحَةُ فِي المِحْنَةِ؛ قَالَ تَعَالى: ﱡﭐ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35]. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:

قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإنْ عَظُمَتْ       وَيَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ

وَمِنْهَا: بُرُوزُ الحَاجَةِ المُلِحَّةِ إِلَى المَصَادِرِ المَوْثُوقَةِ فِي اسْتِقَاءِ المَعْلُومَاتِ فِي المَعْرِفَةِ عَامَّةً، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالجَائِحَةِ مِنَ الجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَذَاتِ الِاخْتِصَاصِ خَاصَّةً، وَضَرَرُ أَخْذِ المَعْلومَاتِ مِنْ غَيْرِ مَصَادِرِهَا الحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّ نَشْرَ الدِّعَايَةِ وَالأَكَاذِيبِ وَالإِشَاعَاتِ المُغْرِضَةِ قَدْ يُحَطِّمُ النُّفُوسَ، وَيُؤَدِّي إِلَى إِثَارَةِ الفَوْضَى وَالبَلْبَلَةِ وَالتَّلَاعُبِ بِعُقُولِ النَّاسِ وَنَفْسِيَّاتِهِمْ.

إِخْوَةَ الإِيمَانِ:

وَمِنَ الدُّرُوسِ أَيْضًا: ظُهُورُ نِعَمِ اللهِ الكَثِيرَةِ عَلَى الْبَشَرِ الَّتِي لَمْ يَكُونُوا يَشْعُرُونَ بِهَا وَيَعْرِفُونَ قِيمَتَهَا إِلَّا حِينَ تَعَطَّلَتْ فِيهَا الحَيَاةُ حَتَّى عَادَتْ شِبْهَ حَيَاةٍ، فَتَوَقَّفَتِ المَعَامِلُ وَالمَصَانِعُ، وَأُغْلِقَتِ الشَّرِكَاتُ وَالمُؤَسَّسَاتُ، وعُطِّلَتِ المَدَارِسُ وَالمُؤَسَّسَاتُ وَالوَزَارَاتُ، وَتَوَقَّفَتِ الرِّحْلَاتُ الجَوِّيَّةُ وَالبَرِّيَّةُ، وَأُغْلِقَتِ الأَسْوَاقُ وَالمَحَلَّاتُ، وَتَعَطَّلَتْ حَرَكَةُ التِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَأَكْثَرُ جَوَانِبِ الحَيَاةِ، فَبَانَ بِهَا مَا كَانَ مِنْ فَضْلِ اللهِ العَظِيمِ عَلَى النَّاسِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﱡﭐ  وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [ النحل: 53 ] .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الكَرِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ؛ ﱡﭐ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3].

مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ:

وَمِنَ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا: أَنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِنَا، وَمِنْ عَظِيمِ فَضْلِهِ عَلَيْنَا أَنْ أَمَرَنَا بِاتِّخَاذِ الأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ المُبَاحَةِ؛ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الأَمْرَاضِ وَعِلَاجِهَا بِالأَدْوِيَةِ المَشْرُوعَةِ المُتَاحَةِ؛ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ- لَمْ يَضَعْ دَاءً، إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

وَتَبَيَّنَ لِلْعِبَادِ أَنَّ العَافِيَةَ لَا ثَمَنَ لَهَا يُرْتَضَى، وَأَنَّ الصِّحَّةَ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ رَأَيْنَا مِنْ خَوْفٍ وَهَلَعٍ، وَحَذَرٍ وَتَرَقُّبٍ وَفَزَعٍ!! إِذْ عَاشَ العَالَمُ شُهُورًا عَصِيبَةً، وَقَاسَى أَوْقَاتًا رَهِيبَةً، وَبَانَ أَنَّ الأَمْنَ وَالإِيمَانَ أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ عَلَى الإِنْسَانِ؛ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

وَمِنَ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ: مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ أَثَرِ التَّكَاتُفِ وَالتَّعَاوُنِ فِي أَيَّامِ المِحْنَةِ بَيْنَ جَمِيعِ الجِهَاتِ وَالمُؤَسَّسَاتِ وَعَلَى مُسْتَوَى الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ، فَقَدْ شَعَرَ النَّاسُ بِأَنَّهُمْ فِي مَرْكَبٍ وَاحِدٍ، إِنْ نَجَا نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ غَرِقَ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَمَا رَأَيْنَاهُ أَيْضًا مِنِ اجْتِمَاعٍ لِلْأُسَرِ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ، يَلْتَقُونَ عَلَى المَحَبَّةِ وَيَفْتَرِقُونَ عَلَى المَوَدَّةِ، وَكُلٌّ حَرِيصٌ عَلَى الآخَرِ مِنْ أَنْ يَمَسَّهُ سُوءٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؛ فَإِنَّ لِلأَهْلِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ حُقُوقًا مِنْ حَيْثُ الجُلُوسُ وَالمُؤَانَسَةُ وَالمُشَارَكَةُ فِي الآلَامِ وَالآمَالِ.

 مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:

وَمِنْ أَعْظَمِ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ: ازْدِيَادُ مَعْرِفَةِ عَظَمَةِ الإِسْلَامِ فِي تَنْظِيمِ الحَيَاةِ مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهَا، وَعِنَايَتِهِ بِشُؤُونِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَعًا وَبِصِحَّةِ الإِنْسَانِ، إِذْ سَبَقَ العَالَمَ وَمُنَظَّمَاتِهِ الصِّحِّيَّةَ فِي تَشْرِيعِ الحَجْرِ أَوِ العَزْلِ الصِّحِّيِّ، وَأَمَرَ بِالطَّهَارَةِ فِي البَدَنِ وَالثِّيَابِ وَالمَكَانِ وَالأَوَانِي وَغَيْرِهَا؛ هَذَا وَقَدْ أَوْصَتِ السُّلُطَاتُ الصِّحِّيَّةُ مَعَ عَوْدَةِ تَرَاصِّ الصُّفُوفِ فِي المَسَاجِدِ بِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الإِرْشَادَاتِ الَّتِي مِنَ المُهِمِّ الِالْتِزَامُ بِهَا، وَهِيَ لُبْسُ الكِمَامَةِ، وَأَنْ يُحْضِرَ المُصَلِّي سَجَّادَةَ الصَّلَاةِ الخَّاصَّةَ بِهِ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى التَّطْعِيمِ لِسَلَامَتِهِ وَسَلَامَةِ مَنْ حَوْلَهُ وَخَاصَّةً كِبَارَ السِّنِّ، وَقَدْ أَفَادَتْ فَتْوَى وِزَارَةِ الأَوْقَافِ بِهَذَا الخُصُوصِ أَنَّ اتِّبَاعَ هَذِهِ التَّعْلِيمَاتِ وَاجِبٌ دِيْنِيٌّ نَابِعٌ مِنْ حِرْصِ الشَّرِيعَةِ عَلَى سَلَامَةِ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ، وَأَنَّ المُخَالَفَةَ لِهَذِهِ التَّعْلِيمَاتِ فِيهَا مُخَاطَرَةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِصِحَّةِ وَسَلَامَةِ النَّاسِ، فَقَدْ نَهَى الإِسْلَامُ عَنِ الضَّرَرِ وَالإِضْرَارِ فَلَا يَضُرُّ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، رَبَّنَا أَدِمْ عَلَيْنَا النِّعَمَ، وَادْفَعْ عَنَّا النِّقَمَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني